تعد تجربة ابوصلاح الشعرية من أكثر التجارب الشعرية التي اثرت الساحة الفنية باشعاره الغزيرة وكلماته العذبة التي اختصر بها العذوبة واعتصرها في مفردات وطرز للغناء ثوب يليق بانوثة الكلمة ، ويعتبر ابوصلاح رائد اغنية (الحقيبة) وهو الذي اعطي الحقيبة معني لكونها سيدة الساحة الغنائية واعطي للغناء ديمومة تمنحه الولاء المطلق علي امتداد الاجيال. ويعتبر شعره من اكثر التجارب سهولة في المعني واللغة وقوة في الوصف والبلاغة وهنا يكمن سحر وجمال شعره ، كتب ابوصلاح للحب فكان لشعره صوت تسمعه القلوب وتردده الحواس قبل الالسن يخترق الوجدان بسيل همساته الجارف وعاطفته الجياشة ويعتبر شعره وثيقة تكشف لنا سر شخصيته التي طبعت علي وجدان الفن كل هذه الروعة والاماكن التي تركت علي وجدانه بصمتها الواضحة والتي تفاني في تشكيلها لغة تجري في الذات مجري الدم فكان شعره بمثابة محصول سوداني نرعاه ونحصده جيلا بعد جيل.
ولد صالح عبد السيد الشهير بابوصلاح بحي الموردة العريق بامدرمان عام 1890م وتعلم مبادئ القرآن الكريم بخلوة الفكي مكي حسن حسين وانتقل بعد ذلك الي السكن بحي الهجرة الامدرماني وسط الكثيرين من اقاربه ، التحق بمدرسة الاميركان الابتدائية بالخرطوم بحري ولم يكمل دراسته فيها ، حيث انقطعت صلته بالدراسة المنتظمة وانخرط في العمل المهني ليعمل نجارا بمصلحة الوابورات بالخرطوم بحري وبعدها عمل نجارا بالحملة الميكانيكية ولم يواصل العمل فيها كانه يريد ان يبرهن لنا ان الحياة هي خلاصة اعتصار التجارب وادارة الذات بعيدا عن الاحتكار ودليلا علي ذلك مواصلة حياته العملية في الاعمال الحرّة متنقلا بين البلدان.
كسائر افذاذ وفحول الشعراء في عصره سار ابوصلاح علي نهج الاقدمين بكتابة الدوباي الذي كان سائدا في ذلك العهد فبينت تلك الفترة نضج وتجلي شاعرية ابوصلاح التي تجاوز بها رصفائه في ذلك العهد الرصين فحملت اشعاره بذرة التجديد الحقيقي والاكيد ان سنوات صباه التي قضاها متنقلا بين البقعة والحلفاية كان لها بالغ الاثر حيث الالهام المطلق في ازهي مرابع الجمال يحفه السحر والنقاء.
اخترق ابوصلاح جدار التقليد وحمل لواء التجديد فنال بذلك ثمرتين الأولي ثقة واعجاب الذين سبقوه الي قمم النجاح وتوجه بهذه الثقة تدفعه احاسيسه الي قمة الفن الراقي فنال بالثانية اعجاب الناس واستحق تقديرهم فهشت له الساحة بالترحاب بمفرداته التي لاتضيق بها حدود النفس فكان لشعره أثر السحر في القلوب.
ظل ابوصلاح طوال حياته يثري الساحة الغنائية الصافية بفنه الخلاب المكثف والمشبع بالالق والاثارة حتي اصبح رائد اغنية الحقيبة ومانحها سر الخلود فكانت اغنياته : بدور القلعة ، جوهر صدر المحافل ، قسم بي محيك البدري ، ياليل ابقالي شاهد ، يارشا ياكحيل ، خلي العيش حرام ، كم نظرنا هلال ، والعديد من الاغنيات كانت طاقة ابداعية تنضح مشاعرا وبهجه . وكان لها الاسهام الواضح في الساحة الفنية من بداياتها الي يومنا هذا. توفي ابوصلاح في العام 1962م بعد أن طبع فنه وشخصيته في الوجدان.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق