الاثنين، 26 أكتوبر 2009

الشاعر السوداني محمد سعيد العباسي

باعث نهضة الشعر في السودان الحديث

هو محمد سعيد بن محمد شريف نور الدائم بن الشيخ احمد الطيب مؤسس الطريقة السمانية بالسودان واحد أشهر الطرق الصوفية بالسودان ينتمي الي قبيلة الجموعية وهي قبيلة متواجدة بمنطقة امدرمان منذ العام 605 هجرية وهي من القبائل التي ناصرت المهدية واستاذن منها المهدي عندما دخل امدرمان واشتهروا بالفروسية والكرم وهي احدي قبائل المجموعة الجعلية بالسودان. ولد العباسي عام 1880م بقرية عرديب ودنور الدائم بمنطقة النيل الأبيض ثم انتقل به والده في حوادث المهدية الي غرب امدرمان منطقة ام مرحي وحفظ القران يافعا وتلقي قدرا طيبا من علوم اللغة والفقه علي يد والده وكبار علماء الدين امثال الشيخ زين العابدين الشيخ ابي صالح والشيخ عوض الكريم الازهري والشيخ محمد البدوي. التحق في العام 1899 م بالكلية الحربية المصرية التي تمتد جزور نشأتها الآن الي اكثر من القرن ونصف القرن إلا انه لم يكمل الدراسة وعاد منها بعد عامين من انتظامه وتفوقه فيها لانها كانت تعتمد نظام الترقي بالاسبقية الزمنية (الاقدمية) لا بالتفوق الاكاديمي تاركها بعد أن نشات بينه وبين استاذ اللغة العربية فيها الشيخ عثمان زناتي علاقة روحية عظيمة لحفظه القرآن والمامه بعلوم الفقه والنحو فقربه اليه من دون التلاميذ ويعتبره العباسي صاحب فضل عظيم في دفعه الي الحركة الادبية وممارسة الشعر وقرضه وعند عودته اشتغل بدراسة كتب الفقه والأدب علي يد والده الشيخ محمد شريف. ذهب للمرة الثانية الي مصر عام 1906 برفقة والده حيث استزاد من العلم والمعرفه وتمكن من استعادة ذكرياته القديمة وكان مولعا بحبه لمصر وظل طوال حياته يعيش ذكرياته فيها ومع اساتذته بها ويظهر ذلك جليا في ديوانه الذي يحفل بالحديث عنها ورغبته في في اللحاق بمصر فهو يقول لبني قومه :
هل شدتمو ياقــــــوم اسطولا علي البحر مخر
أو طائرات بالســــما ترمـــــي الاعادي بالزبر
أوحبرت اقلامــــــكم لنا مـــــــن الآي الغـــرر
كمثل شوقي إذ شــدا والرافــــــــعي اذ نــــــثر
ان لم تكونوا هم فما هذا التعالي والصـــــــعر

ولما توفي والده محمد شريف العام 1907 كان عمره يقارب الثمانية وعشرون عاما. أشتهر العباسي بولعه للبادية وتجواله فيها وما للبادية من اثر علي صحة الأبدان ونقاء النفوس وذكاء العقول فتعمق في أغوار انسانها من خلال انطلاقته وتجواله فيها ما انعكس علي تكوين شخصيته البدوية وتاثره باساليب البادية في شعر فحول الشعراء العرب فجاء شعره اشبه بشعرهم في تكوينه وبناءه وهو من الذين طوعوا الاسلوب التقليدي العريق بجزالته المعروفه وباقتداره علي اللغة ونزعتة الصوفية التي ضربت في نفسه بسهم الوجد الصوفي فسالت روحه وفاضت بالمعاني الزاخره وتنهدت قريحته بهذا النفس الصوفي المبتهج وإن كان الشعر الصوفي ضعيفا وركيكا في بعض جوانبه إلا ان لمحمد سعيد أسهام واضح في ترقيه بجزالته ورصانته المعروفه كما قال الدكتورعبده بدوي في كتابه الشعر في السودان قال أن محمد سعيد ارتفع بالتراث الصوفي ووضعه_ربما لأول مرة _ في إطار الجزالة العربية وقال أيضا أن الذي لون الجانب الصوفي وارتفع به عن السرد التاريخي هو محمد سعيد. كان العباسي صاحب ثقافة عربية ودينية واسعة ويعد من رواد النهضة الأدبية الشعرية في العصر الحديث وهو بلا شك من اعظم الشعراء فيه ولايقل جزالة عن شوقي واكثر فروسية وحكمة من البارودي واكثر اعتداد بنفسه من المتنبي ويذوب شعرا حتي يكاد يغني مع الشريف الرضي علي حد قول الشريف زين العابدين الهندي. لكن تكمن مشكلة المبدع السوداني في طباعة النتاج الابداعي السوداني علي نطاق الوطن العربي ومشكلة الدورالمؤسسي الاعلامي والثقافي ماحرم الكثيرين من المبدعين من الظهور الداخلي والتمثيل الخارجي.
للعباسي ديوان شعر رصين يجعل من المعني محورا تدور حوله الكلمات لان شعره تاريخا روحانيا مركزه القلب وجوانبه اللغة والجزالة ، مشبعا بالمعاني المسبكة والتصوير البديع لكل نواحي الطبيعة وهذا ماينطبق علي بعض قصائده مثل ( مليط ) ويظهر فيها تاثره الواضح بالشريف الرضي. يحتوي الديوان علي قصائد تمثل الواحدة منها ديوان باكمله من جودة الصنعة وعمق المعني وتعتبر قصائده وديوانه فتحا جديدا علي تاريخ الشعر السوداني واسمه((ديوان العباسي)).
توفي الشاعر محمد سعيد العباسي في الثاني عشر من شهر يناير العام 1963 عن عمر يناهز الثلاثة وثمانون عاما مخلفا وراءه نسيج ساحر من قماشة الفن والأدب طرزها ولبسها ابناءه واحفاده من بعده فكانوا منارات سامقة في العلم والشعر والادب وعلي رأسهم ابنه الشاعر والقاضي الطيب محمد سعيد العباسي الذي ورث عن ابيه شفرة اللسان فكان فصيحا ، رصين الكلمه ، صادق العاطفه وله ديوان يسمي (العباسيات) فكانه يواصل مع ابيه اعتقال الكلمة والرصانة داخل المنظومة الاسمية واضفاء نوع من الاداء الصوتي الموحد لمحركات النفس العميقه وامتزاجه بالمعني والاداء النفسي العذب فكان فنا راقيا جميلا يخضع النفس لنظام موسيقي خاص فتخلد اليه وتجتمع عنده كل الحواس.

مختارات من شعره :

مليط

حيّاكِ «ملّيطُ» صوبُ العارضِ الغادي وجاد واديكِ ذا الجنّاتِ من وادِ
فكم جلوتِ لنا من منظرٍ عَجَبٍ يُشجي الخليَّ ويروي غُلّةَ الصادي
أنسَيْتِني بَرْحَ آلامي وما أخذتْ منا المطايا بإيجافٍ وإيخاد
كثبانُكِ العفرُ ما أبهى مناظرَها أُنسٌ لذي وحشةٍ، رِزقٌ لمرتاد
فباسقُ النخلِ ملءُ الطرفِ يلثم من ذيلِ السحابِ بلا كدٍّ وإجهاد
كأنه ورمالاً حوله ارتفعتْ أعلامُ جيشٍ بناها فوق أطواد
وأعينُ الماءِ تجري من جداولها صوارماً عرضوها غيرَ أعماد
والوُرْقُ تهتف والأظلالُ وارفةٌ والريحٌ تدفع ميّاداً لميّاد
لو استطعتُ لأهديتُ الخلودَ لها لو كان شيءٌ على الدنيا لإخلاد

****

أنتِ «المطيرةُ»(1) في ظلّ وفي شجرٍ فقدتِ أصواتَ رهبانٍ وعُبّاد
أُعيذ حسنَكِ بالرحمن مُبدعِهِ يا قُرّةَ العينِ من عَينٍ وحُسّاد
وضعتُ رحليَ منها بالكرامة في دارِ ابنِ بَجْدتِها «نصرِ بنِ شدّاد»(2)
فاقتادتِ اللبَّ مني قَوْدَ ذي رسنٍ ورقاءَ أهدتْ لنا لحناً بتَرداد
هاتي الحديثَ رعاكِ اللهُ مسعفةً وأَسْعدي فكلانا ذو هوًى بادي
فحرّكتْ لهوى الأوطانِ أفئدةً وأحرقتْ نِضوَ أحشاءٍ وأكباد
هوًى إلى النيل يُصبيني، وساكنُهُ أُجلّه اليومَ عن حصرٍ وتَعداد
وحاجةٌ ما يُعنّيني تطلُّبُها لولا زماني ولولا ضيقُ أصفادي

****

يا سعدُ «سعدُ بني وهبٍ»(3) أرى ثمراً فجُدْ فديتُكَ للعافي بعِنْقاد
وإنّ في بعض ما قد عافَ شاربُكم إعتابَ ذي الفضلِ «يحيى» و«ابنِ عبّاد»(4)
ورقاءُ إنّكِ قد أسْمعتِني حَسَناً هيّا اسمعي فَضْلَ إنشائي وإنشادي
إنا نديمانِ في شَرْع النوى فخُذي يا بنتَ ذي الطوقِ لحناً من بني الضاد
فربّما تجمع الآلامُ إنْ نزلتْ ضدّين في الشكل والأخلاق والعاد
لا تُنكريني فحالي كلُّها كرمٌ ولا يُريبكِ إتْهامي وإنجادي
وأنتَ يا عيدُ ليت اللهَ أبدلني منكَ الغداةَ بعوّاد وأعواد
ما لي وللعيد والدنيا وبهجتِها وقد مضى أمسِ أترابي وأندادي

****

أولئك الغرُّ إخواني ومن ذهبتْ بهم مواسمُ أفراحي وأعيادي
مضَوْا، فهل علموا أني شقيتُ بمن ألبستُه ثوبَ إعزازٍ وإسعاد؟
لم يُجْزِني، لاجزاه اللهُ، صالحةً بِرّاً ببِرٍّ وإرفاداً بإرفاد
لقيتُه أمسِ في طِمْرين مقتحماً دَوّاً بلا مركبٍ فيه ولا زاد
فظِلْتُ أُوسعه بِرّاً وتكرمةً حتى غدا وَهْو ذو وشيٍ وأَبْراد
وحينما قلتُ إني قد ملأتُ يدي إذ غرّني صوتُ إبراقٍ وإرعاد
تحوّل الحالُ عمّا كنتُ أسمع من وعدِ المثوبةِ والزُّلفى لإيعاد
أبحتَ مني حِمىً قد كان ممتنعاً حِمى البهاليلِ: آبائي وأجدادي
صيّرتَه بعد ذاك الأمنِ مَسْبعةً تحمي مَرشّةَ أطيارٍ وآساد
إن ترضَ بالحكم فالقرآنُ ذا حَكَمٌ وها أولو العلمِ والتاريخِ أَشْهادي
هادٍ يضلّ وحيرانٌ يُدلّ وما طولُ البليّةِ إلا حيرةُ الهادي

****

أغرقتَها فانجُ إنْ كنتَ اللبيبَ ولا أراكَ تسلم من بحرٍ وإزباد
واصبرْ تذقْ مُرَّ ما ذاق الذين بغَوْا من قبلُ، واللهُ للباغي بمرصاد
لا تخدعَنَّكَ نُعْمْى قد حبَوْكَ بها ولا الزعانفُ من رهطٍ وأجناد
فلستُ أيأسُ من عدل المليكِ بأنْ يُخني عليهم كما أخنى على «عاد»
لثمتُ كفّاً ولا أدري الذي اشتملتْ أصابعُ الصِّيدِ أم أشراكُ صَيّاد؟!
وليتَ شعريَ هل عَرْفَ السماحةِ ما أشمُّ أم عَرْفَ «دارينا» و«بغداد»؟
مهامهٌ غرّني لمعُ السراب بها ومذهبٌ لم أكن فيه بنَقّاد!

****

أستودع اللهَ ساداتٍ فقدتُهمُ حدا بهم، حيث لا ألقاهُمُ الحادي
تحيّةُ اللهِ يا أيامَ ذي سَلَمٍ أيامَ لم نخشَ بأسَ القاهرِ العادي
أيامَ كنا وكان الشملُ مجتمعاً وحيُّنا حيُّ طُلاّب وقُصّاد
فإن جرى ذكرُ أربابِ السماحةِ أو نادى الكرامُ فإنا بهجةُ النادي
لنا الكؤوسُ ونحن المنتشون بها منّا السقاةُ ومنّا الصادحُ الشادي
واليومَ أبدتْ لنا الدنيا عجائبَها بما نُقاسيه من حربٍ وأحقاد
وما رمى الدهرُ وادينا بداهيةٍ مثل الأليمين: تفريقٍ وإبعاد
لم نجنِ ذنباً، ففيمَ الحيفُ مُقترَفٌ؟ وما لنا اليومَ في سدٍّ وإيصاد
ما نحن «يأجوجُ» بل قومٌ ذوو أَرَبٍ في الصالحات ولسنا قومَ إفساد
بني أبي أنتُمُ زيدٌ على مائةٍ وما عدمتم أخا هديٍ وإرشاد
عزّ النصيرُ وقلَّ المستعانُ بهِ ومَن يَهبّ إذا يُدعى لإنجاد
سِيروا كراماً على اسم اللهِ لا تهنوا فدهرُكم دهرُ إصدارٍ وإيراد
فما الفلاحُ وما سعيُ الشعوبِ لهُ لدى الحقيقةِ إلا سعيُ أفراد
إن يُرسلِ اللهُ من عليائه فَرَجاً نُدرَكْ وإلا فكلٌّ رهنُ مِيعاد

****

عهد جيرون

أرقت من طول هم بات يعرونى

يثير من لاعج الذكرى ويشجونى

منيت نفسى آمالا يماطلنى

بها زمانى من حين الى حين

ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى

عزم أصد به ما قد يلاقينى

ولا أتوق لحال لا تلائمها

حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى

ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت

إلا الذى بجميل الذكر يرضينى

وكيف أقبل أسباب الهوان ولى

آباء صدق من الغر الميامين

النازلين على حكم العلا أبداً

من زينوا الكون منهم أى تزيين

من كل أروع فى أكتاده لبد

كالليث والليث لا يغضى على هون

وقد سلا القلب عن سلمى وجارتها

وربما كنت أدعوه فيعصينى

ما عذر مثلى فى استسلامه لهوى

يا حالة النقص ما بى حاجة بينى

ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبنى

فتانة اللحظ ذات الحاجب النونى

يا بنت عشرين والأيام مقبلة

ماذا تريدين من موعود خمسين؟

قد كان لى قبل اليوم فيك هوى

أطيعه ، وحديث ذو أفانين

ولا منى فيك والاشجان زائدة

قوم وأحرى بهم ألا يلومونى

أزمان أمرح فى برد الشباب على

مراسح اللهو بين الخرد العين

والعود أخضر وألايام مشرقة

وحالة الأنس تغرى بى وتغرينى

فى ذمة الله محبوب كلفت به

كالريم جيدا وكالخيروز فى اللين

أفديه فاتر ألحاظ وتل له

"أفديه" حين سعى نحوى يفدينى

يقول لى وهو يحكى البرق مبتسما

"يا أنت يا ذا" وعمدا لا يسمينى

أنشأت أُسمعه الشكوى ويسمعنى

أدنيه من كبدى الحرى ويدنينى

أذر فى سمعه شيئا يلذ له

قد زانه فضل إبداعى وتحسينى

فبات طوع مرادى طول ليلته

من خمر دارين أسقيه ويسقينى

يا عهد جيرون كم لى فيك من شجن

باد سقاك الرضا يا عهد جيرون

ولا يزال النسيم الطلق يحمل لى

ريا الجناب ويرويه فيروينى

واليوم مذ جذبت عنى أعنتها

هذى الظباء وولت وجهها دونى

وعارض العارضين الشيب قلت له

أهلاً بمن رجحت فيه موازينى

كففت غرب التصابى والتفت الى

حلمى ، ولم أك فى هذا بمغبون

وصرت لا أرتضى إلا العلا أبداً

ما قد لقيتُ من التبريح يكفينى



ذكريات


أقصرتُ مذ عاد الزمانُ فأقْصَرا وغفرتُ لما جاءني مُستغفِرا
ما كنتُ أرضى يا زمانُ لَوَ انني لم ألقَ منكَ الضاحكَ المستبشرا
يا مرحباً قد حقّق اللهُ المنى فعلَيَّ إذ بُلّغْتُها أن أشكرا
يا حبّذا وادٍ نزلتُ، وحبذا إبداعُ من ذرأ الوجودَ ومن برا
مِصْرٌ، وما مصرٌ سوى الشمسِ التي بهرتْ بثاقب نورِها كلَّ الورى
ولقد سعيتُ لها فكنتُ كأنما أسعى لطيبةَ(1) أو إلى أُمِّ القُرى(2)
وبقيتُ مأخوذاً وقيّدَ ناظري هذا الجمالُ تَلفُّتاً وتَحيُّرا

****

فارقتُها والشَّعرُ في لون الدجى واليومَ عدتُ به صباحاً مُسْفِرا
سبعون قَصّرتِ الخُطا فتركنَني أمشي الهُوينى ظالعاً مُتَعثِّرا
من بعد أنْ كنتُ الذي يطأ الثرى زهواً ويستهوي الحسانَ تَبختُرا
فلقيتُ من أهلي جحاجحَ أكرموا نُزُلي وأولوني الجميلَ مُكرَّرا
وصحابةً بَكَروا إليَّ وكلُّهم خَطَب العُلا بالمكرمات مُبَكِّرا
يا من وجدتُ بحيّهم ما أشتهي هل من شبابٍ لي يُباع فيُشترى؟
ولَوَ انّهم ملكوا لما بخلوا بهِ ولأرجعوني والزمانَ القهقرى
لأظلَّ أرفل في نعيمٍ فاتني زمنَ الشبابِ وفِتُّه مُتحسِّرا
ووقفتُ فيها يومَ ذاك بمعهدٍ كم من يدٍ عندي له لن تُكْفَرا
دارٌ درجتُ على ثراها يافعاً ولبستُ من بُرْد الشبابِ الأنضرا

****

يا دارُ أين بنوكِ إخواني الأُلى رفعوا لواءكِ دارعين وحُسَّرا ؟
زانوا الكتائبَ فاتحين وبعضُهم بالسيف ما قنعوا فزانوا المنبرا
سبحان من لو شاء أعطاني كما أعطاهمو وأحلّني هذي الذرى
لأُريهم وأُري الزمانَ اليومَ ما شأني فكلُّ الصَّيْدِ في جوف الفَرا
إني لأذكرهم فيُضنيني الأسى ومن الحبيب إليَّ أنْ أتذكّرا
لم أنسَ أيامي بهم وقَدِ انقضتْ وكأنّها واللهِ أحلامُ الكرى

****

كذب الذي ظنّ الظنونَ فزفّها للناس عن مصرٍ حديثاً يُفترى
والناسُ فيكِ اثنان شخصٌ قد رأى حُسْناً فهام به، وآخرُ لا يرى
والسرُّ عند اللهِ جلّ جلالهُ سَوّى به الأعمى وسَوّى الـمُبصِرا
يا من رعيتُ ودادَه وعددتُهُ درعاً - إذا جار الزمانُ - ومِغْفَرا
اسمعْ نصيحةَ صادقٍ ما غيّرتْ منه الخطوبُ هوىً ولن يتغيّرا
لم آتِ أجهلُ فضلَ رأيكَ والحِجى ل كنْ أتيتُكَ مُشفِقاً ومُذَكِّرا
والنصحُ من شيمِ الصديقِ فإن ونى عَدُّوه في شرع الودادِ مُقصِّرا
عمري كتابٌ والزمانُ كقارئٍ أبلى الصحائفَ منه إلا أَسْطُرا
فعلمتُ منه فوق ما أنا عالمٌ ورأيتُ من أحداثه ما لا يُرى

****

قل لي: فديتُكَ ما الذي ترجوه من تاجٍ وقد أُلْبِسْتَ تاجاً أزهرا
وورثتَ في ما قد ورثتَ شمائلاً كانت أرقَّ من النسيم إذا سرى
أما السماحُ فلا يساجلكَ امرؤٌ فيه ملكتَ جماعةً مُستأثِرا
فاربأْ بنفسكَ أن تكون مطيّةً للخادعين وللسياسة مَعْبرا
وحذارِ من رُسل القطيعةِ إنهم رهطٌ قد انتظموا ببابكَ عسكرا
ما ساقهم حبٌّ إليكَ وإنما حُشِروا وجِيء بهم لأمر دُبِّرا
ولأنْ تبيتَ على الطوى وتظلّهُ وتضمّ شملَ المسلمين وتُنْصَرا
خيرٌ، ففي التاريخ إن قلّبتَهُ عظةٌ لذي نظرٍ وَعى وتَدبّرا

****

انظرْ إلى الملك «الحُسين»(1) وإنه من عترةٍ هي خيرُ من وطىء الثرى
منحوه تاجاً ثم لم يرضَوْا به ذهباً فصاغوه لديه جوهرا
عجموه فاستعصى فلمّا استيأسوا نزعوه عن فَوْديه نَزْعاً مُنكَرا
ويحٌ لهذا الشرقِ نام بنوه عن طلبِ العلا وتأخّروا فتأَخّرا
ظنّوا السعادةَ وَهْيَ أسمى غايةٍ قَصْراً يُشاد وبزّةً أو مَظهرا
قادتهمُ الأطماعُ حتى أشْبهوا كبشَ الفِدا والجزلَ من نار القِرى
والجمرُ إن أخفى الرمادُ أُوارَهُ شقيتْ به كفُّ الصبيِّ وما درى
واللهُ أحمدُ حين أبرزَ للورى من غيبه ما كان سِرّاً مُضمَرا


****

ليست هناك تعليقات: